الأربعاء، 17 مايو 2017

كيف يبني الكاتب المحترف الصورة البلاغية من خلال عيني البطلة؟



كتبت الأستاذة الناقدة منجية بن صالح 



كيف يبني الكاتب المحترف الصورة البلاغية من خلال عيني البطلة؟

لا يمكن أن نجيب عن هذا السؤال قبل أن نجيب عن مفهوم ماهية 
الكتابة الأدبية.قبل أن نكتب لا بد أن نحدد حقيقة ما نكتب ومرادنا من كتابة 
نستعمل فيها لغة خطاب وعصارة فكر استهلك منا جهدا ووقتا، لن نكتب 
لنكتب بل نكتب لنحيا من خلال كلمة هي اللبنة الأساسية، في بناء النص 
الأدبي والذي هو مرآة تنعكس عليها روح كاتب شكلته الحياة وإرهاصات 
الواقع وتداعياته، فالنص هو المؤرخ وهو ساعي البريد الذي لا يكل 
من نقل أخبار الأولين للآخرين، وكلما صقلنا هذه المرآة و أعتنينا 
بالفكر واللغة، كلما كانت الصورة المنقولة لها فاعلية وتأثير في القارئ 
والمجتمع بصفة عامة.

ماذا نكتب؟ هل ننقل الواقع وما يحمل من مأساة، أم نحاول أن نتجاوزه، 
لنطرح بديلا عنه، علنا نجد مخرجا من عنق زجاجة طالت صحبتنا لها؟ 
وحتى نتمكن من ذلك لابد أن نرتقي بلغة الخطاب، وفي ذلك إرتقاء بالفكر، 
فهما توأمان لا ينفصلان ولا يمكن وجود أحدهم بدون الآخر، فاللغة هي 
الهيكل والفكرة هي القلب النابض، وحياة أحدهما لا يمكن أن تنفصل 
عن الثاني، والمتفحص للساحة الأدبية سيدرك كم تعاني من التشوهات
 التي طالت جميع الأجناس الأدبية، حتى أنها أصبحت صورة طبق 
الأصل لمجتمع مأساوي السمات، أحزانه ألغت أفراحه، فتدني المستوى 
الأدبي للشعوب، هو مؤشر على تدني مستوى الفكر، والذي هو بالأساس 
نتيجة حتمية للسياسة التعليمية التي جردت العقل من أهم مقوماته الأساسية، 
وذلك عندما فقدت اللغة إشعاعها وتدنى مستوى التدريس والتلقي، فاللغة 
هي المحرك الأساسي للعقل المنتج لفكر قادر على دفع الشعوب نحو 
التقدم والإزدهار.
نحن أمة إقرأ لكننا لا نقرأ ولانفكر، وبالتالي ما نكتبه يفتقر إلى 
القيمة والفاعلية والجدوى، فقوتنا كأمة تكمن في امتلاكنا لقوة اللغة، فهي 
وحدها القادرة على مدنا بلغة القوة، التي تمكننا من الدفاع عن وجودنا 
وهويتنا العربية.

ونأتي إلى سؤال كيف يبني الكاتب المحترف الصورة البلاغية من خلال 
عينيّ البطلة؟
للكتابة مردود لغوي فكري حسي جمالي ذوقي، ينمي المدارك العقلية 
التي ترتقي بالفكر والمشاعر والحس الإنساني، فأمام ثراء اللغة العربية 
وقدرتها على استنباط المصطلحات وتوليد المعاني، تتلاشى اللغة المحلية 
ذي الإستعمال المحدود، والذي ينحصر في فضاء شؤون الحياة اليومية، 
فهناك فرق بين استعمال اللغة العربية والتي هي أصل، وبين العامية 
والتي هي فرع هش، يندثر عندما يغادر بيئته المحلية، وقد قلت في 
ما سبق أن الكتابة فكر، تعبر عنه لغة قادرة أن تحلل وجود الذرة كما 
المجرة، فكيف يستعصي عليها التعبيرعن صورة مهما كانت بلاغتها من 
خلال عيني بطلة تتكلم العامية؟ فلغتها تدل على مستواها ويبق المهم في كل 
ذلك هو نقل الفكرة للمتلقي، فكما أسلفت، اللغة هي الإطار الذي يحتوي الفكرة،
 فأهميتها من أهمية اللغة التي تعبر عنها حتى و إن كانت بسيطة غارقة في 
الواقعية، ويبقى للغة العربية الرصيد الكافي ليعبر عنها بشتى الطرق 
ولن يستعصي عليها ذلك.

من يستعمل اللهجة المحلية يحتج بأنه يكتب عن الواقعية اللصيقة بالحياة 
اليومية، ولا بد من حضور لهجة العامة في الرواية حتى يكون المشهد حقيقي، 
وأقول أن نجيب محفوظ كتب عن الواقع كما لم يكتب عنه أحد ومع ذلك
 لم يستعمل اللهجة المحلية المصرية إلا في روايتين أولاد حارتنا والقاهرة 
الجديدة، وقد استعمل بضع كلمات كانت من عامية مهذبة، لكن عندما نقرأ 
ما يكتب الآن يتصور القارئ نفسه يعيش مع فيلم تدور أحداثه في الحواري 
الشعبية ويبقى سؤال ماهي الإضافة التي يضيفها هكذا عمل للقارئ على 
مستوى الفكر واللغة وتنمية الحس الجمالي الفني؟
وتبقى هذه وجهة نظر لها المدافعين عنها كما لها معارضيها.

.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق